تابع صفحتنا ع الفيس بوك

الخميس، 26 يونيو 2014

القيروان







مدينة تونسية تقع على بُعد 156 كم من العاصمة تونس، وعلى بُعد 57 كم من مدينة سوسة، وترتفع عن سطح البحر بنحو 60 مترًا، والقيروان كلمة فارسية دخلت إلى العربية، وتعني مكان السلاح ومحط الجيش أو استراحة القافلة وموضع اجتماع الناس في الحرب.

ويعود تاريخ القيروان إلى عام 50 هـ= 670م، عندما قام بإنشائها القائد المسلم عقبة بن نافع، وكان هدفه من هذا البناء أن يستقر بها المسلمون؛ إذ كان يخشى إن رجع المسلمون عن أهل إفريقية أن يعودوا إلى دينهم، وقد اختير موقعها على أساس حاجات إستراتيجية واضحة فقد ذكر عقبة بن نافع أصحابه بعد الفتوح في المغرب: ".. إن أهل هذه البلاد قوم لا خلاق لهم، إذا عضَّهم السيف أسلموا، وإذا رجع المسلمون عنهم عادوا إلى عاداتهم ودينهم، ولست أرى نزول المسلمين بين أظهرهم رأيًا، وقد رأيت أن أبني ها هنا مدينةً يسكنها المسلمون فاستصوبوا رأيه.. "، وقد اختار لها موضعًا بعيدًا عن البصر في وسط البلاد ولئلا تمر عليها مراكب الروم فتهلكها.
وقد لعبت مدينة القيروان دورًا رئيسيًّا في القرون الإسلامية الأولى، فكانت العاصمة السياسية للمغرب الإسلامي ومركز الثقل فيه منذ ابتداء الفتح إلى آخر دولة الأمويين بدمشق، وعندما تأسست الخلافة العباسية ببغداد رأت فيها عاصمة العباسيين خير مساند لها؛ لما أصبح يهدد الدولة الناشئة من خطر الانقسام والتفكك، فكانت القيروان سدًّا منيعًا يحول دون تسرُّب الخطر الشيعي.
ويعدُ إنشاء مدينة القيروان بداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي، فلقد كانت المدينة تلعب دورين مهمين في آن واحد؛ هما الجهاد والدعوة، فبينما كانت الجيوش تخرج منها للغزو والفتح، كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بين البلاد يعلِّمون العربية وينشرون الإسلام، بل إن الدور الذي لعبته المدينة في إدخال البربر في الإسلام لا يقل عن الدور الذي لعبه القادة الفاتحون.
فلقد دخل البربر الإسلام منذ الفترة الأولى للفتوحات، وخاصةً عندما رأى البربر عقبة بن نافع وهو ينشئ القيروان بنفسه فتأثروا بشخصيته الدينية، وبما كان يظهره من التفاني في سبيل الإسلام، فدخلت جماعات كبيرة منهم الإسلام على يديه، وانضمَّت إلى القوات المحاربة، وقد كان لهذه المدينة منزلة دينية عظيمة في نفوس المسلمين وكانوا يعتبرونها مدينةً مقدسةً ولا يدخلها غير المسلمين.
كانت القيروان أولى المراكز العلمية في المغرب تليها قرطبة في الأندلس ثم فاس في المغرب الأقصى، ولقد قصدها أبناء المغرب وغيرها من البلاد المجاورة، وكان مسجد عقبة الجامع- ومعه بقية مساجد القيروان- قد شهدت حلقات للتدريس وأنشئت مدارس جامعة أطلقوا عليها (دور الحكمة)، واستقدموا لها العلماء والفقهاء ورجال الدعوة والدين من الشرق، فكان لهذه المدارس وما اقترن بها من انصراف القائمين عليها للدرس والبحث عاملاً في رفع شأن لغة القرآن الكريم لغة العرب وثقافتهم، وكان للقيروان دورٌ كبيرٌ في نشر وتعليم الدين وعلومه، بحكم ما عُلِّق عليها من آمال في هداية الناس وجلبهم إلى إفريقية، وها هو دعاء سيدنا عقبة بن نافع لها: ".. اللهم املأها علمًا وفقهًا، وأعمرها بالمطيعين والعابدين، واجعلها عزًّا لدينك وذلاًّ لمن كفر بك، وأعز بها الإسلام".
ظلة القبلة بالجامع
وفي عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99-101هـ= 717 -720م) أراد تثقيف أهل المغرب وتعليمهم أمر دينهم فجعل من مدينة القيروان مركزًا للبعثة العلمية المكونة من عشرة أشخاص من التابعين، فأرسلهم إلى إفريقية؛ حيث انقطعوا إلى تعليم السكان أمور الدين، وكان من أشهر أولئك العشرة إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر؛ الذي كان- بالإضافة إلى أنه عامل للخليفة- من أكثر أفراد تلك البعثة اندفاعًا في نشر الدين وإدخال البربر إلى الإسلام.
وكان منهم عبد الله بن يزيد الحبلي الذي شهد فتح الأندلس مع موسى بن نصير، ثم عاد إلى القيروان ومات فيها، ومنهم أيضًا إسماعيل بن عبيد المشهور بلقب "تاجر الله"، وهو الذي بنى المسجد المعروف باسم مسجد "الزيتونة"، وقد استُشهد غريقًا في إحدى الغزوات البحرية لصقلية سنة 107هـ/ 726 م، ومنهم عبد الرحمن بن رافع التنوخي أول من تولَّى القضاء بمدينة القيروان، وهكذا أصبحت مدينة القيروان مركزًا للعلم في المغرب الإسلامي حتى كانت مفخرة المغرب ومركز السلطان وأحد الأركان.
وكانت مدرسة القيروان الفقهية محطَّ أنظار الدارسين من صقلية والمغرب والأندلس، فلا يكاد قطر من تلك الأقطار يخلو من مئات الوافدين منه على القيروان لتلقي العلوم والتفقه في الدين.
وأما روَّاد الفقه في القيروان فهم كثير، منهم الإمام سحنون بن سعيد الفقيه صاحب أبي القاسم، تلميذ الإمام مالك- ومؤلف كتاب "المدونة"، الذي كان له دور كبير في تدوين المذهب المالكي، ومن الشخصيات البارزة في تاريخ القيروان كذلك يحيى بن سلامة البصري صاحب التفسير المعروف والذي يعدُّ أول أثر هام للتفاسير الإسلامية.
ويعتبر الأغالبة هم الذين وضعوا القواعد الأولى لدور القيروان الحضاري الذي ازدهر في عهد الزيريين، ثم تطوَّرت المدينة بعد ذلك واتسعت مساحتها وازداد سكانها، حتى أصبحت من أهم المدن الإسلامية في الشمال المغربي كله ومركزًا من أعظم مراكز الحضارة الإسلامية.
بناء مسجد القيروان
يعدُّ مسجد القيروان أقدم مساجد المغرب الإسلامي والذي بناه عقبة بن نافع عند إنشاء المدينة من أهم معالمها عبر التاريخ، كان الجامع أول ما اختط في مدينة القيروان، وقد شُيِّد عام 50 هـ، وجاء تخطيطه على نسق مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومثل بقية مساجد الأمصار ذات الصحن المكشوف، والمصلى المستطيل الممتد على طول جدار القبلة، ويعدُّ المسجد المصدر الأول الذي اقتبست منه العمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية.
محراب جامع القيروان
بدأ المسجد صغير المساحة بسيط البناء، ولكن لم يمضِ على بنائه عشرون عامًا حتى قام حسان بن النعمان عام 80هـ= 694م بهدم المسجد وأعاد بناءه، ولكنه مع ذلك احتفظ بمحراب سيدنا عقبة، ويُعتقد أنه قد زاد في عدد الأروقة في ظلة القبلة التي أصبحت تتكون من 4 بائكات تسير عقودها عموديةً على جدار المحراب، ولم يكن المسجد في هذا الوقت يحتوي على ظلات جانبية، ولما ضاق المسجد بالمصلين قام الوالي بشر بن صفوان بأمر من الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بتوسيع المسجد فيما بين 105: 109هـ= 723: 727م، فاشترى حديقةً كانت بجوار المسجد من الناحية الشمالية وأدخلها في إطاره، ووسع في ظلة القبلة توسعة كبيرة، وأضاف إليها ثلاث عشرة بائكة، فأصبحت ظلة القبلة تتكون من سبع عشرة بائكة تسير عمودية على جدار القبلة، ولكنها لا تصل إليه بل ترتكز على البلاطة الموازية للجدار، ويذكر د. أحمد فكري أن المساحة التي زيدت على المسجد في زمن هشام بن عبد الملك ظلت كما هي حتى العصر الحديث.
كما أضاف بشر بن صفوان مئذنة عملاقة في منتصف الجدار الشمالي الغربي للمسجد وكانت مشيّدة من الحجر، وأصبحت هذه المئذنة نموذجًا لمآذن شمال إفريقيا ومصر خلال العصر الفاطمي.
كما قام الوالي يزيد بن حاتم الذي تولى إفريقية عام 155هـ=772م بهدم المسجد، فيما عدا المئذنة والمحراب ثم أعاد بناءه في عام 157 هـ= 774 م، ويقال إن المجددين كانوا يأتون محراب سيدنا عقبة للتبرك به.
مئذنة جامع القيروان
وفي عهد دولة الأغالبة وضعت الحدود النهائية للمسجد، فقد قام زيادة الله الأغلبي بهدم المسجد عام 221هـ=836م، وعندما أراد أن يهدم محراب سيدنا عقبة نصحه القوم بعدم التعرض للمحراب، بل وأشاروا عليه بوضعه بين حائطين، وفعل ذلك، وقام بتشييد محراب جديد وشيد فوقه قبة كبيرة، ووسع البلاطة التي تتقدَّمه، بعدما قام بهدم صف من الأعمدة التي تتعامد على جدار المحراب، وجعل من البلاطتين بلاطةً واحدةً متسعةً، وبذلك قام بتوسيع المجاز القاطع، وقد اشتملت القبة التي تعلو المحراب روائع الفن المغربي.
وفي عام 248هـ=862م قام أبو إبراهيم أحمد بزخرفة المحراب ببلاطات من القاشاني، وقد بلغ عدد البلاطات الكاملة حوالي 139 بلاطة و16 بلاطة غير مكتملة، وقد وضعت البلاطات المحيطة بطاقية المحراب على سيفها في وضع قطع الشطرنج، واتخذت هذه البلاطات نوعين مختلفين، سواء في الزخرفة أو في الألوان.
وفي عام 261هـ= 875م قام إبراهيم بن أحمد بن الأغلب بزيادة مساحة الجامع بزيادة عمق البلاطات التي يتكون منها رواق القبلة من جهة المحراب، كما أقام قبة في نهاية المجاز القاطع من ناحية الصحن وقد عُرفت بقبة البهو، وأصبح للمسجد عشرة أبواب، كما أقام مقصورة للنساء في الجهة الشرقية ويفصلها عن المسجد سياج من الخشب المزخرف، كما أضاف للمسجد منبرًا يقال إنه جاء به من بغداد، ويتكون هذا المنبر من صدر وريشتين حُفل بالزحارف النباتية والهندسية والكتابية، ويعدُّ من أقدم المنابر الباقية حتى الآن.
كما أمر الخليفة المعز لدين الله الفاطمي بترميمات في المسجد عام 345هـ= 956م، وفي عهده تمَّ عمل بوابات حديدية للمدخل الرئيسي عام 375هـ= 985م، كما قام المستنصر بن حفص بتجديدات عدة في الجامع وسجَّل هذه الإصلاحات فوق باب "لله رجانا" وفوق أحد الأبواب الداخلية، وذلك في عام 693هـ= 1224م، كما قام محمد بك مراد بإصلاح قبة البهو.
عمارة جامع القيروان
سارت التوسعات في العصور المختلفة حتى التخطيط النهائي للمسجد يتكوَّن من مساحة مستطيلة تقدَّر بحوالي 77م×126م، ويتوسط هذه المساحة صحن المسجد الذي يتكون من 67م×56م ويحيط بالصحن أربع ظلات، أكبرها ظلة القبلة، وذلك كما هو مألوف في العمارة الإسلامية، وتسير عقود بائكات هذه الظلة الستة عشرة عمودية على البلاطة التي تتقدَّم المحراب، وتحتوي ظلة القبلة على قبتين؛ إحداهما فوق المحراب والأخرى تطلُّ على الصحن (قبة البهو)، أما الظلات الجانبية فتتكون كل منهم من رواقين عمودين على جدار القبلة.
وقد اشتمل المسجد على 8 أبواب؛ بحيث يحتوي كل من الجانب الجنوبي الغربي والشمالي الشرقي على 4 أبواب؛ أهمها هو باب "لله رجانا"، الذي يقع قرب نهاية الواجهة الشمالية الشرقية، وهو يحمل كتابة بتاريخ 693هـ/1294م الذي يقابله باب آخر مهم هو باب السلطان.
ونلحظ وجود أبراج أو دعامات ساندة في الجدران الخارجية للمسجد لتمنع ظاهرة رفص العقود، وقد كانت الأبراج الساندة ظاهرةً معماريةً في كل المساجد ذات المساحات الكبيرة والمتسعة.



BY : BEBO ELBARDESY

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق