وهكذا بدأت مصر أعظم فترة عسكرية في تاريخها، وذلك بعد أن أصبح لمصر جيش موحد. وتزخر جدران المعابد واللوحات بأخبار انتصارات الجيش المصري وفتوحاته هنا وهناك، وتقديم الأوسمة والنياشين من قبل ملوك مصر للقادة العسكريين، ووضع الخطط للجيوش في المعارك حسب طبيعة العدو وظروفه، وعدد أفراد جيشه، وطبيعة أرضه، وموقع المعركة.
ولقد كانت الدولة الحديثة على نقيض سائر العصور الأخرى من تاريخ المصري القديم، إذ كانت ذات طابع حربي. فقد تدرب الجيش المصري أثناء حرب التحرير ضد "الهكسوس"، واهتدى في طردهم وملاحقة فلولهم إلى ذلك الواجب العظيم، واجب الدفاع عن تراب الوطن، والذي ظل يؤديه باقتدار، والذي حقق له تلك الإمبراطورية المترامية الأطراف.
وقد أصبحت ملامح الجيش المصري واضحة، فالسرايا والفرق محددة العدد والعدة، ويحمل كل منها اسم واحد من الآلهة أوالملوك، فهناك فرقة الرماة، وفرقة المركبات، وفرقة الأقواس التسعة، وسرية "آمون"، وسرية "فرعون"، وسرية "بهاء قرص الشمس"، وهناك أيضًا "حملة الأعلام".
وكان الجيش يتكون من مقدمة وقلب وميمنة وميسرة، بالإضافة إلى العناصر المساعدة في المقدمة وفي المؤخرة. ولقد اتبع الجيش المصري الكثير من الخطط العسكرية التي كان من بينها الحرب المفاجئة، والتي قصد منها مهاجمة العدو من حيث لا يدري، ثم هناك التراجع التكتيكي لإعادة تنظيم الصفوف والتمويه والخداع، وفرق الاستطلاع الحربي، إلخ.
وفي ظل هذه الروح الوثابة للجندي المصري والجيوش المدربة والأسلحة المتقدمة، تحقق للجيش المصري العديد من الانتصارات التي تعد استمرارًا للانتصارات التي حققها المصريون في الدولتين القديمة والوسطى.
ولقد سجل لنا التاريخ في الدولة الحديثة الكثير من المعارك التي خاضها الجيش المصري، وحقق فيها انتصارات باهرة. ولعل من أشهر هذه المعارك، معركة "مجدو" التي جرت أحداثها في عهد الملك "تحتمس الثالث"، أشهر القادة العسكريين في مصر القديمة. وتزخر جدران معبد "الكرنك" (فيما يسمى بصالة الحوليات) بأخبار حملات الملك "تحتمس الثالث"، والتي تتضمن تفاصيل المعارك التي خاضها منخلال سبع عشرة حملة عسكرية على البلاد الخاضعة للإمبراطورية المصرية، كبلاد سوريا، وفلسطين، والنوبة.
وقد تولى "تحتمس الثالث" عرش البلاد بعد موت الملكة "حاتشبسوت" التي كانت قد نحَّته جانبًا، وانفردت دونه بالحكم. ولما حـانت له الفرصة لم ينطلق من عقاله دفعة واحدة، بل آثر التريث حتى يدرك المصريون قوته وبأسه، وحتى يقدروا مآثره وأعماله وشجاعته فى الداخل والخارج.
وليس من شك في أن أعمال "تحتمس الثالث" العسكرية تعد مفخرة يعتز بها التاريخ الحربي في العالم القديم، فهو أول من نظم الجيوش وقسمها إلى قلب وجناحين، وأول من درس ساحة القتال قبل أن يخوض المعركة، وأول من نفذ الحرب الخاطفة المفاجئة، لهذا قارنه بعض المؤرخين بالقائدين التاريخيين "الإسكندر الأكبر"، و"نابليون بونابرت".
ويعتبر "تحتمس الثالث" أول منشئ للإمبراطورية المصرية، فهو الذي أخضع الشعوب الأجنبية لسلطان مصر، وكان حسبه أن يرسل الرسل إلى ملك آسيوي فيسارع إلى دفع الجزية، وإرسال الهدايا ليأمن جانب الجندي المصري الشجاع. وفي إطار علاقة مصر بسورية، كان هناك أمير "قادش" (تقع إلى الشمال من دمشق)، والذي كان يحرِّض أعداء مصر عليها؛ وكانت هناك مملكة "ميتاني" التي أصبحت قوة يُحسب لها الحساب.
ومع بداية حكم "تحتمس الثالث" أخذت بعض الشعوب الخاضعة لمصر تتمرد على الحكم المصري، مما اضطره إلى أن يخرج على رأس جيش في العام الأول من حكمه، فاتبع (طريق حورس الحربي)، وهو الطريق الذي يبدأ من حصن "ثارو" عند "القنطرة شرق"، وينتهي عند "رفح"، ليصل إلى "غزة" بعد تسعة أيام، قطع خلالها ما يزيد عن 200 كم. وقطع المرحلة الثانية إلى منطقة "يحم" (الواقعة على بعد 130كم) في عشرة أيام، إلى أن وصل إلى سفح جبل "الكرمل"، حيث أقام معسكرًا هناك.
وجمع "تحتمس الثالث" أعضاء مجلس الحرب ليستشيرهم في أفضل الطرق وأكثرها أمنًا للوصول إلى "مجدو" في أقصر وقت دون أن يتكبد الجيش المصري خسائر كبيرة، أو يتعرض لمفاجأة، وقال لهم:
إن العدو الخسيس في "قادش" قد دخل إلى "مجدو"، وهو هناك في هذه اللحظة، وقد استطاع أن يضم تحت لوائه الأمراء الذين كانوا خاضعين لمصر، وإنهم يستعدون لخوض معركة ضد الجيش المصري، فماذا ترون؟
وخيَّر "تحتمس" أعضاء مجلس الحرب بين طريقين، الأول يمر عبر جبل لن يسمح بمرور جنود الجيش ومركباتهم إلا في صف واحد، والثاني يدورحول الشمال الغربي عبر إحدى المدن هناك، وينتهي في السهل الشمالي من "مجدو"، أو يتجه جنوبًا إلى ناحية الشرق نحو مدينة أخرى، ثم يعود فينحرف إلى الشمال الغربي، حيث يمر الطريق بحافة الجبل ليدخل من الجنوب الشرقي، نحو مدينة أخرى.
ورأى المستشارون أن الطريق الأول (الممرالجبلي) محفوف بالمخاطر، حيث يمكن القضاء بسهولة على مقدمة الجيش ومؤخرته، وفضلوا اجتياز الطريق الثاني الأسهل والأكثر أمنًا. غير أن "تحتمس الثالث" قد رأي - بثاقب نظره، وبرؤيته العسكرية المتميزة - أن يسلك الطريق الأول الأصعب، على اعتبار أن العدو لن يتوقع اجتياز الجيش المصري لهذا الطريق، بل يستبعد حدوثه تمامًا لأنه كان يعني إفناء الجيش المصري بأكمله. وكان "تحتمس الثالث" محقًا فيما رأي، إذ كانت قوات العدو قد تمركزت بالفعل عند الطريق الثاني، معتقدة أن الجيش المصري سوف يسلك هذا الطريق.
وباغت "تحتمس الثالث" العدو الآسيوي وهو مرابط حول "مجدو"، وجناحه الأيمن فوق تل في الجنوب الغربي، وجناحه الأيسر حول شمالها الغربي، وأصدر أوامره بالهجوم، وكان هو بنفسه على رأس الجيش. وما لبث العدو أن تقهقر، ثم ولى الأدبار تاركًا عتاده، واحتمى بالحصن.
ولم يواصل الجيش المصري الهجوم، ولم يتابع العدو للقضاء على فلوله، ولكن الجنود انهمكوا في الاستيلاء على الغنائم، فتركوا للعدو فرصة ثمينة للم الشمل، وإعادة تنظيم أنفسهم ليعاودوا الالتحام بالجيش المصري، مما دعا "تحتمس الثالث" إلى تأنيب جنوده قائلاً:
لو تابعتم الهجوم واستوليتم على هذه المدينة لقدمتم قربانًا هائلاً للإله "رع"، فرؤساء البلاد العاصية جميعًا في داخل المدينة، والاستيلاء عليها يعد كالاستيلاء على ألف مدينة.
وأمر "تحتمس الثالث" بمحاصرتها، كما أمر بألايُسمح لأحد من سكانها بالاقتراب من معسكرات الجيش المصري، وإلا جيء به كأسير حرب. ولم تحتمل المدينة الحصار طويلاً لنفاذ المؤن فاستسلمت، ولكن أمير "قادش" تمكن من الفرار، منتهزًا فرصة انشغال الجنود المصريين بجمع الغنائم التي تشغل مساحة كبيرة من جدران صالة الحوليات بمعبد "الكرنك"، والتي بلغت من كثرتها حدًا يثير الدهشة، فمنها على سبيل المثال 924 عجلة حربية، و2041 حصانًا، و2000 رأس من العجول، و1929 رأسًا من البقر، كما تم أسر 2503 من السادة والعبيد، وآلاف القطع الثمينة من المعادن والأحجار الكريمة.
هكذا كان لنجاح هذه الحملة أثر كبير في إعادة هيبة مصر في فلسطين بوجه خاص، وفي غرب آسيا بوجه عام، وأيضًا في استرجاع شمال "فلسطين" التي كانت قد خرجت على النفوذ المصري. وأقام "تحتمس الثالث" العديد من الحصون ليؤمن ما استولى عليه من مدن، وحتى يستطيع أن يضمن سلامة الطرق التي اجتازها للوصول إلى هذه المناطق.
ولم يكتف "تحتمس الثالث" بتحقيق هذا النصر العسكري في معركة "مجدو"، والتي تعتبر من أشهر معارك العالم القديم، وإنما أخذ أيضًا في إقامة علاقات اجتماعية وثقافية هي أقوى أحيانًا من السلاح، بأن طلب من حكام المدن الخاضعة لمصر أن يبعثوا بأبنائهم إلى مصر، لينشأوا نشأة مصرية، ويمارسوا الحياة المصرية في القصور الملكية في مكان أسماه (قلعة طيبة)، حتى يشبوا على حب مصر والولاء لها والتفاني في خدمتها عندما يقدر لهم أن يتحملوا مسئولية الحكم في بلادهم.
وعاد "تحتمس الثالث" من حملته إلى "طيبة"، فاستُقبل استقبال الأبطال الفاتحين، وأقيمت الاحتفالات، وقُدمت الغنائم للإله "آمون"، وسُجلت أخبار هذه الانتصارات في "مجدو" على جدران معابد "الكرنك"، لتصبح بمثابة سجلٍ وافٍ يحكي تفاصيل أخبار هذه المعركة التي أصبحت علامة بارزة في تاريخ العسكرية في مصر القديمة. وقد ظلت حملات "تحتمس الثالث" تتجه إلى آسيا والنوبة وحدود مصر الغربية لتأديب كل من يفكر في الخروج على الحكم المصري.
وجاء من بعده ابنه "أمنحتـﭖ الثاني" الذي كان هو الآخر محاربًا من الطراز الأول، والذي اتخذ من والده "تحتمس الثالث" القدوة والمثل، فحذا حذوه، وحقق لمصر الكثير من الانتصارات.
وفي إحدى حملاته اتجه إلى "يحم" في "فلسطين"، فخربها وأسر أمراءها، ولم يكن ببعيد عن بحر الجليل، واستولى على العديد من مدن فلسطين. وتذكر الحوليات أن عدد الأسرى في هذه الحملة قد بلغ حوالي 68900 أسير.
وتستمر الانتصارات طوال الأسرة الثامنة عشرة. وتحمل إلينا الأسرة التاسعة عشرة أسماء لامعة في مجال العسكرية المصرية، وعلى رأسهم الملوك "سيتي الأول"، و"رعمسيس الثاني"، و"مرنـﭙتاح".
تربى "سيتي الأول" في رحاب العسكرية المصرية، ونال من الخبرة ما أهَّله لكي يصبح ملكًا عسكريًا من الطراز الأول. وبتوليه العرش وضع نصب عينيه تقوية دعائم الإمبراطورية المصرية التي كانت قد تعرضت لبعض الهزات في النصف الثاني من الاسرة الثامنة عشرة.
وانطلق "سيتي الأول" شرقًا وغربًا وجنوبًا، وتقهقر أعداء مصر، غير أنه كان يعد العدة لمواجهة عدوه التقليدي، مملكة "خيتا" في آسيا الصغرى، والتي كانت تسعى دائمًا لتأليب الولايات الخاضعة لمصر عليها، بل ودعمها للانسلاخ من الإمبراطورية المصرية.
ونجح "سيتي الأول" في أن يكسر شوكة مملكة "خيتا"، ويشعرها بقوة الجيش المصري من خلال المعارك التي خاضها ضدها بالقرب من "قادش".
وخلفه على العرش ابنه "رعمسيس الثاني"، أحد أعظم ملوك العالم القديم، وصاحب العلامات البارزة على طريق التاريخ المصري، وصاحب أكبر المنشآت عددًا على أرض مصر. وفي العام الخامس من حكمه خرج على رأس جيش ليقود معركته الشهيرة مع "الحثيين" في "قادش".
وعلى الجانب الآخر كان ملك الحثيين "موتلي" قد استمال إلى جانبه بعض حكام الولايات المناوئة لمصر، والطامحة في الخروج على سلطان الملك المصري، ولهذا أعد جيشًا قويًا جمعه من هذه الولايات، ومن الجنود المرتزقة من جزر بحر "إيجه". وتقدم الملك "الحيثي" إلى "قادش" التي تعتبر بمثابة بوابة سوريا الشمالية.
أما عن الملك "رعمسيس الثاني"، فقد أعد هو الآخر العدة لملاقاة جيش "الحثيين"، وكان عماد الجيش أربع فرق تحمل أسماء الآلهة "آمون"، و"ﭙـتاح"، و"رع"، و"ست". وسار "رعمسيس الثاني" على الطريق الحربي التقليدي، واتجه شمالاً نحو الشاطئ السوري، وظل يتوغل إلى أن وصل إلى وادي نهر العاصي. وتذكر النصوص المصرية القديمة أن بعض جنود الجيش المصري قد نجحوا في القبض على جاسوسين من بدو "الشاسو"، كان "موتلي" ملك الحثيين قد كلفهما بالتجسس على الجيش المصري. وأثناء تأديبهما للإدلاء بمعلومات عن الجيش "الحيثي"، أدليا بمعلومات مضللة عن حقيقة موقع وتحصينات وعدد جيش الحيثيين.
والظاهر أن الملك "رعمسيس الثاني" قد صدق ما أدلى به الجاسوسان من معلومات، واتجه إلى موقع "الحثيين" الذي حدداه، وكانت معه فرقة "آمون" فقط، وتتبعها فرقة "رع"، في الوقت الذي كان فيه جيش "الحثيين"يتحصن في موقع آخر، حيث قام بمناورة، ونجح في جمع شتات جنوده، وإعادة تنظيم خططه في ضوء الواقع، وطلب مددًا مع الفرق الأخرى.
ونجح الملك وجيشه في أن يلتحم مع العدو، وكانت المعركة سجالاً بين جيشين قويين. وقد سجلت أخبارها على جدران معابد "الكرنك" و"الأقصر" و"الرمسيوم" و"أبو سمبل"، وغيرها.
وقد ذكر "رعمسيس" في سجلات هذه المعركة أن ملك "الحثيين" قد طلب منه العفو حتى لا يفنى ما تبقى من رعاياه، وأنه قد قبل نصيحة مستشاريه بأن يتوقف عن القتال، وأن يلتزم كل طرف بحدود ما قبل القتال.
وبعد هذه المعركة استسلمت كل المدن في سوريا وفلسطين، والتي كانت تقف من وراء "الحثيين"، وعادت الجيوش المصرية إلى "طيبة"، واستقبلت استقبال المنتصرين، وعمت الاحتفالات كل أرجاء مصر، وتغنى الشعراء بهذا الانتصار.
وتذكر النصوص عودة الملك "رعمسيس" إلى وطنه ومعه أسلاب كثيرة لم ير مثلها منذ الزمن الأول، وكذلك الأسرى الأحياء الذين أبقت عليهم يداه. وتصف أيضًا حفل استقبال الجيش المصري المنتصر، فقد انتظر كبار رجال الدولة وعلى رأسهم الوزراء، وكانوا يرفعون أذرعهم في ابتهال قائلين:
أهلاً بعودتك إلى البلاد، لقد انتصرت على أعدائك، ستكون ملكًا طالما أن "رع" في السماء. لقد ثبَّت "رع" حدودك، وهو الذي يحميك، وفأسك تصيب سائر البلاد الأجنبية، وأمراؤها يسقطون أمام سيفك.
وشارك الشعب في هذا الاستقبال، فشباب المدينة المنتصرة ارتدوا ملابس الأعياد، وتحلوا بالزينة، وحملوا باقات الزهور. أما "الحثيون" فقد تيقنوا أن جيش مصر ليس بالجيش الذي يقهر، ففضلوا أن ينشدوا ودَّ مصر، وأن يعقدوا معها معاهدة سلام.
إنها تلك التي عقدت بين الملك "رعمسيس الثاني" (في العام الحادي والعشرين من حكمه، أي حوالي 1280 قبل.الميلاد)، وبين الملك الحيثي "خاتوسيلي". وأراد الملكان المصري والحيثي تأكيد حسن النية، فقام الملك الحيثي بتزويج إحدى بناته للملك "رعمسيس الثاني"، وهو الحدث الذي سجل على جدران معبد "أبو سمبل" الكبير.
لقد دام حكم الملك "رعمسيس الثاني" سبعة وستين عامًا، كانت من أكثر فترات الحكم قوة وازدهارًا، حيث حققت لمصر انتصارات عسكرية هامة، وثبتت حدود إمبراطوريتها، وشهدت العمارة والفنون ازدهارًا كبيرًا.
وتتوالى الانتصارات العسكرية المصرية بتولي ابنه الملك "مرنـﭙتاح" عرش البلاد، وهو الذي واجه تمرد بعض قبائل فلسطين، ومن بينهم قبيلة تسمى "إسرائير"، والتي يرى بعض المؤرخين أن المقصود بها هو "إسرائيل"، فسميت اللوحة باسم (لوحة إسرائيل). وقد بعث "مرنتباح" جيش قويًا قضى على هذه القبائل جميعًا.
وتذكر اللوحة التي تسجل انتصارات الملك أن الجيش المصري قد قضى على بذرة مجموعة من القبائل، من بينها "إسرائير". وحقق الجيش المصري انتصارًا باهرًا في فلسطين، وانتصارات أخرى على بعض الشعوب (الهندوأوربية) القادمة من ناحية الحدود الغربية، وقضى عليها هي الأخرى.
وتتوالى انتصارات الجيش المصري في الأسرة العشرين بتولي الملك "رعمسيس الثالث" حكم البلاد، والذي يعتبر أعظم الملوك العسكريين في مصر القديمة. ويواجه "رعمسيس الثالث" بقوة محاولات الشعوب (الهندوأوربية) وحلفائهم من الليبيين القادمين من حدود مصر الغربية، ويسحقهم الجيش المصري في العام الخامس من حكمه في مكان ما غرب الدلتا، ربما موقعه الآن قرية "أبوللو" (التي تتبع مركز "منوف" بمحافظة المنوفية). وقد سُجلت أخبار هذه المعركة على جدران معبد "هابو" في غرب "الأقصر".
ولعل أهم المعارك التي خاضها الجيش المصري في عهد هذا الملك هي المعركة البحرية التي جرت في العام الثامن من حكمه ضد شعوب البحر، والتي حملت أسماء "الثكرت" (وهم أصل سكان صقلية)، و"البلست" (وهم أصل الفلسطينيين)، و"الشردن" (وهم أصل سكان جزيرة سردينا)، و"الماشواش" وغيرهم.
وكانت شعوب البحر قد اجتاحت بلاد "الحثيين"، واستولت على بعض المدن الواقعة على نهر الفرات وعلى جزر البحر المتوسط، واتجهت إلى مصر بأسطول بحري وبجيش بري. وواجههم الجيش المصري عند حدود مصر ودحر الجيش البري، كما تصدى الأسطول المصري لأسطول شعوب البحر وهزمهم شر هزيمة. وقد سجلت أخبار هذه المعركة البحرية على جدران معبد "هابو" بغرب الأقصر.
وبتحقيق النصر على هذه الشعوب تمكنت مصر من تخليص نفسها وبلدان الشرق الأدنى القديم من ذلك الخطر الداهم. وكان أن اختفت هذه الشعوب من مسرح الأحداث، ولم تفكر في الخروج لملاقاة الجيش المصري. وهكذا عادت للإمبراطورية المصرية هيبتها في كل مكان، في سوريا وفلسطين وبلاد النهرين وجزر البحر المتوسط في الغرب والجنوب، ونعمت مصر بالاستقرار، وتفرغت للبناء الداخلي، وشهدت طيبة قيام عدد من أعظم المنشآت في تاريخ الحضارة المصرية.
by : BEBO EL BARDESY
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق