تابع صفحتنا ع الفيس بوك

الجمعة، 27 يونيو 2014

بورتريهات الفيوم Fayoum portraits

بورتريهات الفيوم Fayoum portraits

للدكتور عبدالرحمن السروجي


 1)  وجوه الـفيـــــُّـــوم: بداية فن اللوحات



صورة



نعرف يقينًا أن التصوير على الخشب بدأ في العصر اليوناني الروماني في بداية القرن الأول الميلادي، وامتد حتى القرن الثالث؛ إذ رسم الفنانون حينئذ وجوه الموتى بالألوان على لوحات من الخشب توضع على لفائف المومياء تقليدًا منهم لما صنعه المصريون القدماء من أقنعة جصية مجسمة "الكارتوناج". واستمر رسم هذا النوع من الوجوه "البورتريهات" في صدر العصر القبطي (55- 60 ميلادية)، لكنه عاد واختفى بعد ذلك، ولم تعد اللوحات توضع على الجثة، وذلك مع انصراف الناس تدريجيًّا في مصر عن عادة التحنيط مع انتشار المسيحية خلال القرنين الثالث والرابع الميلاديين.

وتعد وجوة الفيوم "بورتريهات الفيوم" مدرسة خاصة ظهرت في مصر في منطقة الفيوم، امتازت بخروجها على الإطار المصري القديم المألوف؛ إذ انفتحت مصر على العالم الخارجي بعد أن كانت منغلقة على نفسها، وفيها رُسم الوجه كاملاً من الأمام، وملتفتًا في بعضها قليلاً إلى اليسار. ولهذه الصور طبيعة فريدة؛ فهي تمثل أشخاصًا بعينهم، ويلاحظ أنها كانت ذات غرض جنائزي، إلا أنها تختلف جذريًا عن الفن المصري في التصوير، وتمتاز بتصوير الشخصيات تصويرًا واقعيًا وطبيعيًا، ورُسمت بأسلوب معين لا تخطئه العين، فياضة بالمشاعر الإنسانية، وإن كان أغلبها حزينًا منقبضًا. وهذا التلاحم بين وجوه الفيوم والمومياوات وسمها بروحية غريبة، كما اتسمت الوجوه المليئة بالحيوية بنظرتها الهادئة والخالدة.

وتنبع الروعة والإبهار وقوة التأثير التي تتميز بها تلك البورتريهات من قدرة مبدعيها وتمكنهم التقني في فن تصوير البورتريه، ومهارتهم في محاكاة الطبيعة، وقوة بناء الشكل وجمال صياغته، إلى جانب براعتهم في استخدام بعض المتناقضات، مما جعل لوحاتهم تفيض بعمق المعنى، وقوة التأثير، والقدرة على إثارة الخيال.


ويرى الروائي الفرنسي أندرية مالرو أن نظرة تلك الوجوه تتطلع إلى الحياة الأبدية، كأن تلك الوجوه تطابق الواقع اتفاقا مع التقاليد اليونانية، فالمشاهد يتصل اتصالاً مباشرًا بالشخصية المرسومة التي تبدو كما لو كانت في منطقة وسط بين الحياة والموت. وإذا تأملنا وجوه الفيوم نشعر وكأننا في برزخ بين عالمين؛ فالموتى يظلون على قيد الحياة بالرغم من الموت، والموت يبدو حيًا خالدًا، وهذا هو الهدف الذي من أجله صُورت هذه الوجوه في نظر أصحابها ومصوريها.


وعدَّ بعض المختصين هذه الوجوه مصرية، وعدَّها آخرون يونانية رومانية، وقال فريق ثالث إنها بيزنطية سابقة على الأيقونات؛ فبرغم أن الأسماء المكتوبة على الوجوه يونانية، إلا أن التسريحات والملابس والحلي ذات طابع روماني.

ولليونانيين تقاليد سابقة في نحت الأشخاص وتصويرهم بنسب حقيقية، وبأشكال طبيعية، وفي الاهتمام بالوجه والجسد الإنساني. وكان الفن اليوناني، وكذلك الروماني، فن حياة، بينما كان الفن الفرعوني فن موت. واهتم الفنان اليوناني والروماني بإظهار التفاصيل والتعبيرات المتنوعة على الوجوه، وبإظهار تفاصيل الجسم، واتجاهات العيون، وتأثيرات الشفاه، وإشارات الأصابع، بينما كان الفن الفرعوني خالدًا؛ فالمصريون هم الذين ابتكروا تماثيل للموتى توضع في مقابرهم، أو صوروا مومياواتهم على توابيتهم؛ فالعقيدة والتقاليد فرعونية، لكن الأسلوب يوناني ثم روماني. هكذا جاءت الوجوه مزيجًا بين حضارات ثلاث: فرعونية، ويونانية، ورومانية. ويمكن القول إن أسلوب وجوه الفيوم يمثل تطورًا للفن الهلنستي بتأثير الفن المصري الفرعوني، وقد تجلى هذا التطور أيضًا فيما بعد في الأيقونات البيزنطية.


ورغم تفرد هذه الوجوه، فقد أهملها المؤرخون والنقاد فترة طويلة، وظل الجمهور غافلاً عنها، وبالأخص في مصر، ومن المعلوم أن وجوه الفيوم أُدرجت ضمن الفن القبطي في مصر، دون أن يلتفت إليها علماء الآثار القبطية أنفسهم. وإنما ترجع قلة الكتابات عن البورتريهات إلى عدد من الأسباب، منها أن الفنانين الذين رسموها مجهولون، وأن هذه الوجوه مبعثرة في العالم، وأحيانا في عدة قاعات من المتحف نفسه، ما بين الأقسام المصرية، واليونانية، والقبطية. وسبب ثالث هو طزاجة هذه الصور الدائمة، وأسلوبها الفني الخاص، مما دفع ببعض المهتمين إلى التشكيك في قدمها وأصالتها.


وقد كان الفنانون اليونانيون جاءوا إلى مصر ابتداءً من القرن السابع قبل الميلاد، ولكنهم تزايدوا مع الغزو المقدوني في القرن الرابع قبل الميلاد بقصد نشر الثقافة اليونانية في الوطن المحتل، وعملوا على إبراز مجد الإسكندر عن طريق العمارة والتصوير، وبخاصة مدرسة الإسكندرية، سليلة الفن اليوناني المقدوني. وليس ما يدعو إلى الدهشة في أن يصف دارسو وجوه الفيوم بأنها تأثيرية (انطباعية) وحديثة؛ فلقد كان لفناني مصر في العصر اليوناني وللتأثيرين (الانطباعيين) الهدف نفسه، وهو تثبيت صورة تتغير بسرعة، والإمساك باللحظة التي يرونها فيها، وكانت لديهم الرغبة نفسها في تصوير الطبيعة في لحظة زائلة في ضوء خاصٍّ بالنسبة لوجوه الفيوم، وفي لحظة معينة من اليوم في تصوير مونيه وسيزان للطبيعة، وكان التصوير بالأسلوب الذي استخدمه فنانو الفيوم يتطلب إنجازًا سريعًا بشكل مدهش.


ويبدو أن هذه الصور كانت ترسم في أثناء حياة أصحابها، ثم يُحتفظ بها معلقة على جدران المساكن حتى الوفاة، حيث ترفع وتوضع داخل اللفائف على وجه المومياء. وهذا لا يمنع أن يكون بعض هذه الصور قد رُسم بعد وفاة أصحابها، ثم وُضعت على مومياواتهم. وفي بعض الأحيان عُثر على صور في مقابر دون مومياوات، مثل ما عثر عليه فلندرز بتري في هوارة، وبياهمو، وأرسينوي (مدينة التمساح)، وهذه الرسوم ظهرت للمرة الأولى في النصف الأول من القرن الأول الميلادي، حيث اكتشف فلندرز بتري في تنقيبات هوارة شمال هرم امنمحات الثالث الكبير وموقع قصر التيه "اللابيرنث" عددًا من هذه الرسوم. ففي هذا المكان، وهو من المراكز المهمة بمنطقة الفيوم، كان سكان أرسينوي يدفنون موتاهم؛ فقد كان الإغريق يعيشون ويدفنون موتاهم على ارتفاعات عالية على حدود الصحراء بعيدًا عن المياه التي يجلبها نهر النيل سنويًا وقت الفيضان. وقد كشفت التنقيبات عن مائة وست وأربعين مومياء ذات رسوم شخوص (بورتريهات)، وكان من بينها رسوم أسلم ما تكون حالة، وأروع ما تكون فنًا.


ولما كان أكثر هذه البورتريهات عُثر عليه في الفيوم، فبات يُشار إليها في أكثر الأحيان باسم "بورتريهات الفيوم"، مع أنها وُجدت في مواقع أخرى، من سقارة شمالاً حتى أسوان جنوبًا، وثمة منطقة أخرى تضارع منطقة الفيوم من حيث عدد رسوم الشخوص وأنواعها، وهي منطقة أنتينوبولس (الشيخ عبادة)، وهي المدينة التي أنشأها الإمبراطور هادريان (117-138 ميلادية) عند زيارته لمصر عام 122 ميلادية تخليدًا لذكرى أحد أفراد حاشيته المقربين إليه، وكان يدعى أنتينوس الذي توفي في أثناء رحلة الإمبراطور النيلية. واكتشف صورَ هذا الموقع الأثري الفرنسي جان غاييه، وذلك بين عامي 1869 و1911، وأغلب هذه الصور موجود حاليًا في المتحف المصري بالقاهرة والمتحف البريطاني بلندن. والواضح أن أول صور مومياوات وصلت إلى أوروبا كانت من سقارة عام 1615، بوساطة بيترو ديلا فاله الذي كان من أوائل الرحالة الأوربيين إلى المنطقة.

وقد حصل المتحف البريطاني على ثلاث صور من مجموعة هنري سالت في أوائل القرن الماضي، ثم وصلت ست أخرى من هذه المجموعة إلى متحف اللوفر، ويقال إنها جاءت من طيبة، وترجع إلى عصر هادريان، وأول مَن كتب عن هذه الصور كان توماس بتيغرو فى كتابه "تاريخ المومياوات" الذي صدر بلندن عام 1836. وقد اكتشف مجموعة أخرى كبيرة من هذه اللوحات تاجر الآثار النمساوي تيودور جراف عام 1887؛ إذ جمع حوالي 300 لوحة من منطقة الروبيات شمال شرق الفيوم، وهذه المجموعة موزعة حاليًا على متاحف ومجموعات خاصة. وبلغ عدد البورتريهات التي وصلت إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية من منطقة الفيوم حوالي ألف بورتريه.


وكانت اللوحات الخشبية التي ترسم عليها الوجوه تتخَذ عادة من شجر السرو، أو الجميز، أو الليمون، بسُمك لا يتجاوز سنتمترًا، ثم أصبحت في العصور اللاحقة بسُمك يتراوح ما بين نصف سنتمتر وسنتمترين ونصف، وطول حوالي 42 سنتمترًا، وعرض حوالي 22 سنتمترًا، وقد لاحظ فلندرز بتري أن لوحات كثيرة قُطعت من الأطراف لتوضع بين شرائط رأس المومياء. وكان الرسم يتم على الخشب مباشرة، وأحيانا بعد وضع طبقة من الجص، أو على القماش مباشرة، أو بعد تغطية القماش بطبقة من الجص، ثم الصقل جيدًا، ثم تخطط الصورة باللون الأسود ونادرًا باللون الأحمر. أما خلفية الصورة، فكانت تلون بفرشاة سميكة، وربما استخدم سكين لدهان اللون السميك بدلاً من الفرشاة، باستخدام أسلوب التصوير الشمعي في الرسم، فكانت تمزج المواد الملونة المسحوقة سحقًا جيدًا بالشمع، وكان ينتج عن هذا النوع من التصوير صورة أكثر قوة وضياء وثراء في الألوان.


ويعتقد أن شمع العسل كان يُنقى بالتسخين، ويُستعمل بعد خلطه بمادة التلوين، ثم يُرسم به وهو ساخن باستخدام فرش ربما كانت مصنوعة من ألياف النخيل. وفى مناخ مصر الدافئ لم تكن هناك صعوبة كبيرة في وضع الشمع الملون في طبقة دقيقة رفيعة مستوية فوق سطح اللوحة مع تحريك الفرشاة حركة كاملة بحُرية، كي ينجز الفنان عمله سريعًا. ولا شك في أن الرسام استخدم فرشاة أقل سمكًا في رسم التفاصيل، كما أن ثمة دلائل على أن العمل كان يتم واللوحة في وضع رأسي أو شبة رأسي، ويتضح ذلك من قطرات عجينة الطلاء المتساقطة إلى أسفل على سطح بعض تلك اللوحات. ويبدو أن استخدام التصوير الشمعي لم ينشأ في مصر، بل جاء إليها على ما يبدو عن طريق الهلنستيين الذين كانوا يستعملونه على نطاق واسع، هذا على الرغم من أن المصريين القدماء استخدموا شمع النحل لتغطية الصور الجدارية المنفذة بأسلوب التمبرا في مقابر طيبة بدلا من الورنيش منذ أوائل عصر الأسرة الثامنة عشرة. وقد بين فحص البورتريهات أن ألياف النخيل كانت تستخدم في الفرش التي ترسم بها البورتريهات، كما أكد بلينيوس أنه كانت تستخدم آلة حادة كالمكواة لإبراز التفاصيل في الملابس والشعر.


وانتماء البورتريهات إلى الأسلوب الهلنستي في الفن، لا ينفي انتماءها إلى العقيدة المصرية في الغرض الذي رُسمت من أجله؛ فهي صور جنائزية وجزء لا يتجزأ من المومياء، وكانت الألواح الخشبية توضع على وجه المومياء، بحيث تكون ألياف الخشب في اتجاه رأسي، وتثبت في وضعها من تحت أربطة الجثة.



بورتريهات الفيوم Fayoum portraits الجزء الثاني

للدكتور عبدالرحمن السروجي


  • تأريخ اللوحات
  • الملابس
  • تصفيف الشعر

تأريخ اللوحات
ومما ييسر تأريخ الصور التي اكتشفت في أنتينوبولس اقتران إنشاء هذه المدينة بالإمبراطور هادريان في عام 122 ميلادية، ويمكن تأريخ صور أخرى من خلال ما عثر عليه مع المومياوات من برديات ترجع إلى العصر الروماني. ومن جهة أخرى، تجد تشابهًا ما بين صور المومياوات وصور من بومبي التي دُمرت عام 79 ميلادية. كما يمكن الاستعانة بشكل تسريحة الشعر واللحى للرجال، وبتسريحة الشعر والحلي للنساء في تأريخ اللوحات؛ لأن شكل الشعر في الصور تأثر بأسلوب ترجيل أفراد العائلة الإمبراطورية في روما لشعورهم، وما لبث الناس في مصر وفي الولايات التابعة لروما أن قلدوهم. ويمكن، كذلك، الاستعانة بالملابس وبأسلوب الرسم في تأريخ هذه الصور. ويخلص الباحثون من هذا جميعه إلى تأريخ وجوه الفيوم إلى الفترة ما بين القرن الثاني والقرن الرابع الميلاديين، وقد زالت عادة وضع الصور مع المومياوات تدريجيًّا عند انتشار المسيحية في القرنين الثالث والرابع الميلاديين.

الملابس
رُسمت معظم وجوه الفيوم بألوان أربعة أساسية، هي الأبيض، والأصفر، والأحمر، والأسود، وكانت هذه الألوان للشعر والوجه نفسه، أما الألوان الإضافية، مثل الأزرق، والأخضر، والأرجواني فاستخدمت في تلوين الملابس والمجوهرات والتيجان. وفي النهاية تأتي اللمسات الأخيرة من الأوراق المذهبة، وكانت هذه الألوان تحقق تناغمًا رائعًا، وقد أُضيف التذهيب إلى المجوهرات والتيجان وزخرفة الملابس، وكانت تستخدم لذلك، إما أوراق الذهب الأصلية ذات العيار العالي، أو تلوين يحاكي الذهب، وكانوا يستخدمون بياض البيض للصق ورق التذهيب على اللوحة المرسومة بألوان الشمع، كما توصلوا إلى اللون الذهبي بمزج الأصفر الأوكر بالأبيض والأحمر. وفي بعض الأحيان كان يغطى جزء من الخلفية بأوراق الذهب، مما يضفي بهاءً على اللوحة يرمز إلى الحياة الأبدية، وهذا ما ورثته التقاليد البيزنطية فيما بعد.



صورة

رجل يدعى "سراباس" وجد اسمه مكتوبًا على صدر غطاء المومياء في موقع هوارة
(180-211 ميلادية)، خشب، 43 x 22 سم

ولم تتغير موضة الملابس على مدى القرون الأربعة؛ فكان الرجال والنساء يُصورون بملابس الحياة اليومية التي شاعت في العالم الهلنستي، وهي رداء بسيط عادة ما يكون مصنوعًا من الكتان، وفي أحيان قليلة من الصوف، ينسدل على الكتفين، وكان مكونا من قطعة واحدة متوسطة تشمل الرأس والكمين، وكان ظهر الرداء ومقدمته وأكمامه تخاط معًا عند الحواف لتكوِّن رداءً يشبه العباءة الواسعة، وأحيانا، كان يُلبس رداءان واحدهما فوق الآخر. وكان لون رداء الرجال أبيض، أو أبيض ذا نقط رمادية أو خضراء، أما أردية النساء، فكانت، في العادة، حمراء قانية، وقليلاً ما كانت بنفسجية، أو زرقاء، أو خضراء، وكان الرداء مزخرفًا بشريطين ضيقين ينسدلان على الأكتاف من الجانبين.


وفي القرن الرابع الميلادي، صارت تجعل على الأردية زخارف محيطة على الشرائط، كانت تنفذ بضربات فرشاة أفقية بيضاء على الرداء، كما أضيفت حواف للعقد. ويندر أيضًا أن يُصور الرجال لابسين عباءة إغريقية، وهي رداء خارجي كان يُربط على الكتف اليسرى وينسدل متثنيًّا، وكان سمة لبعض الموظفين المحليين، وكان الجندي يضع في بعض الأحيان علامة وظيفية، ويرتدي عباءة ملونة على الصدر، تصعد على الكتف.



صورة


سيدة تدعى "ديموس" كتب اسمها بحروف ذهبية على شريط من الكانفاة وضع على صورة موميائها، وهي مصورة بوجه حزين، وعينين بنيتين، وشعر أسود مصفف فيه دبوس
(75- 100 ميلادية)، خشب، 38 x 21 سم


تصفيف الشعر
كانت التسريحات في اللوحات الأقدم بسيطة، وملامحها قاسية، وكانت للرجال شعور قصيرة مرسلة أو مرجلة، وتنسدل على أعلى الجبهة باستواء، وكانوا حليقي الذقن أو ذوي شعر لحية نابت، كما لو كانوا لا يحلقون ذقونهم يوميًّا. وفي الفترة التي تلت عهد هادريان في عصر الأنطونيين، صوِّر الرجال، في العادة، بشعر مرجل مجعد ولحية مجعدة.

وفي اللوحات المبكرة، كانت النساء يُصورن في هيئة بسيطة، جميلات يفضن أنوثة، وفي الفترة المتأخرة من القرن الأول الميلادي، صُورن بتسريحة شعر معقد، وكان الشعر يُرجَّل فى خصلة كبيرة خلف الرأس، ويُصفف الشعر الأمامي في خصلات مجعدة قصيرة. وأُلبست أولئك النسوة حليًا من عقود وأقراط تحاكي أشكالها أشكال الحلي الهلنستي، وليس المصري، من تمائم أو تماثيل صغيرة لآلهة. وعكس الحلي الأقدم في هذه اللوحات بساطة تسريحة الشعر، وكان العقد الشائع هو سلسلة مفردة من الذهب تتدلى منها تميمة على شكل دلاية تشبه الهلال. وفى القرن الثاني الميلادي كان هناك عقدان معروفان، أحدهما سلسلة من الذهب أو خيط تتدلى منة خرزات ذهبية، والعقد الآخر يمكن أن يكون قد صيغ من أحجار شبه كريمة، اتخذ فيها اللون الأخضر من الزمرد، والأحمر من العقيق، والأبيض من اللؤلؤ، والأزرق من اللاماتست، ومن اللازورد والفيروز، كما كانت هناك لوحات طويلة من زجاج معتم، تلون تلوينًا يحاكي ألوان الأحجار شبه الكريمة داخل إطار من الذهب. وفي الصور المتأخرة رُسم الحلي من غير اهتمام، وأصبحت الميداليات المطعمة بالأحجار شبه الكريمة الموجودة داخل إطار من الذهب هي الموضة السائدة.

أما الأقراط فتزينت بها النساء جميعًا، حتى الأولاد كانوا يُلبسون أقراطًا أحيانًا، وكانت أقدم الأقراط تشبه قرصًا ذهبيًّا، أو تشبه الكرة، وفي القرن الثاني اتخذت الأقراط شكل طوق رقيق مرصع بالحجارة، وثمة أقراط أخرى على هيئة قضيب صغير تتدلى منه دلايتان أو ثلاثة. وإن كانت الصور مرسومة ويظهر فيها الصدر والذراعان، لبست النساء على الرسغين أساور من ذهب أو فضة على هيئة ثعبان.

وتذكرنا بشرة الرجال التي لوحتها الشمس، وبخاصة الرياضيين ذوي الأكتاف العارية أو الفتيان اليافعين، باللون الأسمر الذي كانت تلون به صور الرجال في التقليد المصري القديم، وكان ذلك في شكل يحاكي الواقع، مثلما كانوا يُلونون بشرة النساء المصريات بالأبيض المصفر، لأنهن كن أقل تعرضًا للشمس. وفي معظم بورتريهات النساء كان لون البشرة يميل إلى الأبيض والأوكر، وبدرجة أقل إلى الأحمر والأسود، ويظهر اللون الأحمر على الشفاه والخدود. وفي بعض الأحيان، كانت الشفاه تلون باللون الذهبي، ربما للدلالة على أن المتوفى قد دخل إلى عالم مقدس آخر. وكانوا يبرزون الظلال باستخدام اللون الأسود أو الرمادي، إذ توحي الظلال بالبعد الثالث في اللوحة. ونجد في معظم اللوحات إكليلاً من أوراق الغار المذهبة حول الرأس، رمزًا إلى ما ينتظر هؤلاء الموتى من مستقبل سعيد في الحياة الأخرى.


ويمكن القول إن وجوه الفيوم تتمتع بتوازن لوني سليم، يخدم هذه الوجوه فنيًّا، ولذا كانت تبدو بسيطة في تنفيذها، فهي تنطوي على رقة لا نهائية، تؤثر في المُشاهد تأثيرًا كبيرًا، جعلتها، بالإضافة إلى خواصها الأخرى وتقاليدها العريقة، من الأعمال الفنية العظيمة.


من هم أصحاب الصور؟
نعرف أسماء القليل من أصحاب الصور، إذ كانت الصور لا تزال على المومياء، وكان الاسم يُكتب على صندوق المومياء، أو على اللفائف، وعلى الآثار المرفقة مع الميت باللغة اليونانية أو بالخط الديموطي، وفي أحيان أخرى كُتب الاسم باللون الأبيض باللغة اليونانية أو بالخط الديموطي على رقبة الشخص في الصورة.

وأغلب الأسماء التي وصلتنا يونانية، مثل أرتيمدوس ـ ديموس، ولم ترد أسماء وظائف في العادة، وإنما وُجد بجوار اسم امرأة تدعى "هيرميونه" لقب يبين أنها كانت معلمة، ولم تظهر أسماء مصرية على هذه اللوحات، وكان أكثر أصحابها غير معروفين، وكمجموعة كانوا عنصرًا من مجتمع مصر الرومانية. ويستدل من الملابس والحلي على أنهم أثرياء من عائلات هلنستية، وكانت حياتهم معروفة من خلال ما كُتب على البردي اليوناني الذي عثر عليه بالآلاف في رمال مصر.


وكانوا من ناحية الجنس مختلطين، بعضهم من الذين استقروا حديثا في مصر ومن المحاربين القدماء بالفرق العسكرية الرومانية، والذين شاركوا في الحروب الأهلية التي أنهت الجمهورية الرومانية، واستقروا مع عائلاتهم في مصر، وكانوا يملكون أراضي زراعية أُهديت إليهم نظير خدماتهم، وبعض العائلات كانت في الأصل يونانية أو مقدونية، وبعضهم هاجر إلى مصر ليعملوا موظفين، أو جنودًا، أو تجارًا بعد فتح الإسكندر الأكبر لمصر عام 332 قبل الميلاد، وبقوا في مصر، وكانوا يعيشون في كل أنحاء مصر. وبعد أن أصبحت مصر ولاية رومانية صاروا يعدونها بلدًا لهم بالرغم من أنهم كانوا يتحدثون اليونانية.
صورة



للدكتور عبدالرحمن السروجي



By : Mohamed Talat



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق